عُقد بمقر جامعة الدول العربية المؤتمر الدولى بعنوان (الإسلاموفوبيا المفهوم والممارسة فى ظل الأوضاع العالمية الحالية) وذلك بتنظيم مشترك بين جامعة الدول العربية ومنظمة الإيسيسكو (منظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة)
وافتتح المؤتمر الأمين العام المساعد السفير أحمد خطابى نيابة عن الأمين العام أحمد أبو الغيط وبحضور ممثلى الأزهر الشريف الكنيسة القبطية، ومنظمات المجتمع المدنى وعدد من السفراء والخبراء.
قضية حقوقية
بداية بالنسبة لتعريف الإسلاموفوبيا فهى تترجم الى الخوف المرضى أو الكراهية الممنهجة أو التحيز السلبى ضد الإسلام والمسلمين مما يجعلها قضية حقوقية وإنسانية وليست فقط مصطلحًا نفسيًا أو لغويًا وتتغذى على الجهل والدعاية المغرضة وتستهدف أكثر من مليارى مسلم فى العالم بصورة مباشرة أو غير مباشرة ويظهر ذلك فى الخطاب الإعلامى والسياسات العامة والممارسات المجتمعية وحتى فى النظم القانونية لا سيما فى بعض الدول الغربية.
لذلك هى ليست فقط إرهابًا شخصيًا بل تتحول فى كثير من الأحيان إلى سلوك جماعى مؤسسى يتجلى على سبيل المثال (وإن كان أصبح نادرًا الآن مع انتشار المسلمين فى كل مكان فى العالم وتأثير سلوكهم الذى يعبر عن سماحة الإسلام وكذلك وسائل الإعلام فى تغيير النظرة) فى التمييز ضد المسلمين فى العمل أو التعليم أو السكن، الإعتداءات الجسدية أو اللفظية على المحجبات أو المسلمين، مع تصوير الإسلام باعتباره دين عنف أو إرهاب وأحيانا سن قوانين تقيد الحريات الدينية للمسلمين (مثل منع الحجاب أو بناء المساجد)، بالإضافة إلى استخدام حرية التعبير كذريعة لإهانة المقدسات الإسلامية.
وبالنسبة للمؤتمر فقد ناقش عددًا من المحاور مثل تعريف الظاهرة وانتشارها والمظاهر المختلفة لها، وأيضًا تأثيرها على الأمن المجتمعي، ودور الحوار والتقبل والعيش المشترك كأساس إسلامى أصيل.
وفى كلمته التى ألقاها نيابة عن الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط، قال السفير أحمد خطابى الأمين العام المساعد رئيس قطاع الإعلام والإتصال:
لقد انخرطت جامعة الدول العربية بإرادة قوية فى التعاون المتعدد الأطراف للدفع بالحوار الثقافى والحضارى وترسيخ قيم السلام والعيش المشترك ومناهضة التطرف ونبذ السلوكيات التى تغذيها رواسب الماضى ونزعات الإقصاء والتهميش.وهذه النزعات بصرف النظر عن جذورها التاريخية والدينية والأيديولوجية التى تفاقمت بشكل غير مسبوق مع أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة وتكرس انتشارها خلال السنوات الأخيرة كظاهرة اجتماعية مقلقة تحظى بانشغالات المحافل الدولية مع تزايد موجات الكراهية والمضايقات ضد الإسلام والمسلمين.
وفى هذا الإطار لا بد من التأكيد على أن هذه الظاهرة إستغلت من القوى المتطرفة ومجموعة من المنابر الصحفية والإعلامية والمنصات الرقمية وأضحت باسم حرية الصحافة مرتعا للنمطية والتحريض على الكراهية وازدراء الأديان وتقويض التماسك المجتمعى وإفتعال الإنقسامات الطائفية ولذلك فإن حرية الصحافة بقدر ما تظل حقا مكفولا بالقانون الدولى والمواثيق الدولية لابد وأن تتلازم مع متطلبات المسؤولية والأمانة والمصداقية.
وفى هذا السياق يحرص قطاع الإعلام والإتصال على متابعة خطة التحرك الإعلامى بالخارج بتعاون وطيد مع الجهات الرسمية والإتحادات والمنظمات الاعلامية وبعثات الجامعة العربية فى بلدان الإعتماد ومجالس السفراء العرب والتى أدخلت عليها تعديلات دورية مع التوجه نحو إستحداث آلية تنفيذية لها خلال الدورة 52 لمجلس وزراء الإعلام بالقاهرة فى يونيو 2022، وفى الدوره الثالثه والخمسين التى انعقدت فى يونيو 2023 بمدينة الرباط فى المغرب وافق المجلس بموجب القرار 529 على إنشاء مرصد ومنصة مدمجة كآلية للرصد واليقظة والمتابعة يكون مقرها المملكة المغربية تقوم بإنتاج محتوى إعلامى عربى داعم للقضايا المشتركة وفى مقدمتها مساندة القضية الفلسطينية ومحاربة التطرف والإرهاب والأخبار المزيفة وتصحيح صورتنا الجماعية وتثمين موروثنا الثقافى علما أن هذه الخطة تتكامل فى غائيتها مع الأهداف الأساسية لكل من الإستراتيجية الإعلامية العربية والإستراتيجية المشتركة لمكافحة الإرهاب وخطتها التنفيذية. ونتطلع فى قطاع الإعلام والاتصال إلى التنفيذ الأمثل لهذه الخطة بإجراء تقييم شامل لمسارها مع كافة الشركاء من أجل إعداد مواد إعلامية ملائمة وإطلاق حملات توعوية مؤثرة وتكثيف برامج التعاون والشراكات مع المنظمات ذات الصلة وخاصة “الإيسيسكو” فى ضوء طلب انضمامها بصفة مراقب لمجلس وزراء الإعلام.
وبموازاة ذلك أكد ميثاق الشرف الإعلامى العربى ضرورة تعميق روح التسامح والتعددية ونبذ دعوات التمييز أيا كانت أشكالها عرقية أو مذهبية أو دينية أو سياسية والإمتناع عن تناول وسائل الإعلام الشائعات والمواد المحرضة على العداء والكراهية والتطرف.
ومن هذا المنطلق، طرح الأمين العام للجامعة مبادرة لإثراء ميثاق الشرف الإعلامى بتعديلات جوهرية اعتمدت بموجب القرار 9144 فى مايو الماضى خلال الدورة 163 من طرف مجلس الجامعة على المستوى الوزارى تحث وسائل الإعلام خلال الإستحقاقات الإنتخابية على استبعاد المعلومات المضللة المروجة للكراهية والعنف والتمييز مهما كانت أسبابه ضد أى مرشح أو قائمة انتخابية أو حزب.
وبحسب تقرير للوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية فإن 47 فى المائة من المسلمين فى 13 من دول الإتحاد الأوروبى تعرضوا فى سنة 2024 للتمييز فى حياتهم اليومية مقابل 39 فى المائة فى 2016 ولا سيما فى قطاعات الشغل والتعليم والسكن والفضاءات العامة وذلك يتعارض مع الأحكام الدولية بما فيها اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز وهذه المعطيات مؤشر واضح على أن سياسات الاندماج على إختلاف النظم الوطنية الأوروبية قد وصلت مداها وأن الوقت قد حان للبحث عن مقاربات أكثر شمولية ونجاعة والثابت أن منطقتنا التى شكلت عبر حقب تاريخية فضاءات متفردة للتعايش والتنوع الفكرى وحرية المعتقد مدعوة لإستلهام هذا الرصيد فى تقديم نموذج حضارى متفاعل مع روح العصر بمشاركة كفاءاتنا بالمهجر بمن فيهم النخب الإعلامية وصناع المحتوى والمؤثرين وبانفتاح على مكونات الرأى العام الغربى والنخب البرلمانية والمدنية والفكرية.
بيئه للتطرف
وتقول د. أميرة الفاضل نيابة عن المدير العام للإيسيسكوسالم المالك: يأتى هذا اللقاء فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تضافر الجهود لمواجهة ظاهرة متنامية تهدد نسيج مجتمعاتنا وتقوض ركائز السلم والأمان . فالتصدى للإسلاموفوبيا لا يمكن أن يتم دون تفكيك جذرى لهياكل التحيز والكراهية وبمعزل عن تضافر جهودالحكومات والمنظمات والأكاديميين والخبراء.
حيث إن الإسلاموفوبيا لم تعد شأن المسلمين وحدهم بل تحد يهدد المجتمعات ويقوض جهود بناء عالم يسوده العدل والسلام، وهى تمثل أيضا خطرا عالميا يهدد المجتمعات ويقوض أسس العدالة والتعايش وهى ليست مجرد مصطلح أكاديمي، بل واقع ملموس له تداعيات خطيرة.
وتنبع جذور الظاهرة من خطاب يسوق الخوف من الإسلام وتصويره كدين عنيف يتم استغلاله سياسياً وإعلامياً لتبرير الإقصاء. وبالتالى فإن الإسلاموفوبيا تشكل بيئة خصبة للتطرف والعنف وتقوض التماسك الإجتماعى وتعيق الحوار بين الحضارات لذلك يجب تجريم كافة أشكال التمييز ضد المسلمين وتعزيز دور التعليم والإعلام وتفعيل الرقابة على المنصات الرقمية لوقف إنتشار خطاب الكراهية.
رؤى متعصبة
أما د.سلامة جمعة رئيس جامعة الأزهر فتحدث قائلا (نائبا عن الإمام الأكبر): بدأ إستخدام مصطلح الإسلاموفوبيا فى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات وزاد انتشاره بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وينبع المفهوم من خوف غير مبرر تجاه الإسلام ورفض غير منطقى له وهى شكل من أشكال التمييز والإقصاء رغم أن أغلبية المسلمين معتدلون.
اما بالنسبه لربط الإسلام بالصراعات فهو نتيجة رؤى متعصبة غير مبنية على حقائق ومن أهم وسائل المواجهة الحقيقية دمج المسلمين فى المجتمعات الغربية والمشاركة الفاعلة فى الحياة السياسية والإجتماعية ليشعروا بأنهم مواطنون لهم ما لأهل البلاد وعليهم ما عليهم. لأن الإسلام يدعو إلى البر والإحسان والسلام مع غير المسلمين ما لم يعتدوا، وهذا ما نصت عليه (صحيفة المدينة) التى عقدها النبى محمد (ص) والتى تُعد أول دستور مدنى فى التاريخ.
وقدعشنا بالفعل حملات إعلامية مغرضة فى الغرب ولا بد من التصدى لها بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة واستخدام أدوات مبتكرة مثل الفنون والمعارض لإيصال الصورة الحقيقية عن الدين الحنيف؛ ولا شك أن وثيقة الأخوة الإنسانية التى وقعها شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان نموذج حى لتعزيز الحوار والسلام العالمي.
إحترام متبادل
وأكد المستشار بيشوى جودت ممثل الكنيسة القبطية على أن التسامح لا يفرض بل يبنى على المعرفة والإحترام المتبادل والمسيحية الحقة ترفض الكراهية الدينية وتؤمن بالحوار كأداة لتحقيق السلام والمواطنة المشتركة.
استراتيجيات ثقافية
ومن أبرز نتائج الإجتماع هو التشديد على أن المواجهة لا تقتصر على الحلول القانونية بل تشمل أيضا إستراتيجيات تربوية وثقافية. مع إعادة تأهيل الخطاب الديني. وإتقان اللغات الأجنبية لتصحيح الصورة الغربية عن الإسلام. بالإضافة إلى تعزيز الحوار الحضارى والمشاركة الإعلامية المنصفة.
كما تم الإشارة إلى ضرورة اتخاذ خطوات دولية مهمة مثل إعتماد يوم عالمى لمناهضة الإسلاموفوبيا من قبل الأمم المتحدة. وتعيين مبعوث أممى خاص للظاهرة.مع التأكيد على قرار مجلس وزراء الخارجية العرب رقم (9131) بشأن التسامح والأمن الدولى الذى أعرب عن القلق من تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا.
وأكد المؤتمرأيضا على أن الإسلاموفوبيا مشكلة متعددة الأبعاد تتطلب حلولاً شاملة بدءاً من التربية والثقافة إلى المواجهة القانونية والإعلامية والدبلوماسية مع دور محورى لكل من جامعة الدول العربية والإيسيسكو والمجتمع المدنى لتحقيق مجتمع أكثر تسامحاً وتعايشاً.