تدهور الأوضاع الإنسانية في الفاشر: مأساة جديدة
في تصعيد مروع لأعمال العنف المستشرية في البلاد، تعرضت مدينة الفاشر لقصف مدفعي عنيف استهدف سوقًا مركزيًا وبعض الأحياء السكنية، مما أدى إلى مقتل 24 شخصًا وإصابة 55 آخرين، غالبيتهم من النساء والمدنيين. وذكرت “شبكة أطباء السودان” أن القصف الذي وقع يوم الأربعاء، نفذته “قوات الدعم السريع”، واصفة إياه بـ “المجزرة المتعمدة” التي تستهدف السكان المدنيين.
إدانة قاسية ومطالبة بالتحرك
وقد أعربت الشبكة عن إدانتها الشديدة لهذا الهجوم، موضحة أنه جزء من “سلسلة من جرائم الحرب والإبادة” التي تحدث في الفاشر، المدينة المتحصنة منذ أكثر من عام. وأشارت الشبكة إلى أن المدينة تعاني من نقص حاد في الغذاء والأدوية والخدمات الأساسية، معتبرة أن استهداف المناطق المكتظة بالسكان يمثل “انتهاكًا فاضحًا للقوانين الدولية والإنسانية”.
وطالبت “شبكة أطباء السودان” المجتمع الدولي ومجلس الأمن والاتحاد الأفريقي بتحمل المسؤولية عن هذا التصعيد، متهمة إياهم بـ “الصمت والعجز”. ودعت إلى ضرورة “التحرك الفوري” لوقف القصف ورفع الحصار عن الفاشر، وممارسة ضغوط دولية على قيادات “قوات الدعم السريع” لوقف ما وصفته بـ “الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج”.
الوضع الإنساني المتدهور
تُعَدّ الفاشر أخر مدينة رئيسية في شمال دارفور التي لا تزال تحت سيطرة القوات الحكومية. وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، لا يزال حوالي 300 ألف شخص يعيشون في داخل المدينة في ظروف إنسانية سيئة للغاية. وتأتي هذه الحوادث وسط صراع دموي مستمر منذ أبريل 2023 بين القوات الحكومية و”قوات الدعم السريع”.
تحليل: الفاشر… مدينة تعاني من النسيان
إن الأحداث الأليمة في الفاشر ليست مجرد فصل آخر في قصة الحرب المشتعلة، بل تعكس تحول الصراع إلى مرحلة أكثر وحشية حيث تتلاشى الحدود بين الأهداف العسكرية والمدنية. والقصف الذي استهدف سوقًا مزدحمًا بالمدنيين ليس مجرد حدث عارض، بل يظهر استراتيجية تفتقر تمامًا للاحترام للقانون الإنساني الدولي.
يشير بيان “شبكة أطباء السودان” إلى مدى اليأس والإحباط الذي يجتاح المنظمات الإنسانية المحلية، التي تجد نفسها في موقف عجز أمام الانتهاكات المتزايدة. إن تنديدها بـ “الصمت الدولي” ليس مجرد تعبير عن الغضب، بل هو ثمرة تجربة مؤلمة تؤكد أن الأزمات الإنسانية الكبرى غالبًا ما تُترك لتتفاقم دون أي تدخل فعال.
فشل مروع على عدة أصعدة
يعكس وضع الفاشر المحاصرة والممزقة فشلًا كبيرًا على مستويين. الأول هو إخفاق الأطراف المتحاربة في الالتزام بأبسط قواعد القانون الإنساني، أما الثاني فهو فشل المجتمع الدولي في اتخاذ خطوات جدية لحماية السكان المدنيين على الرغم من التحذيرات المتكررة من منظمات دولية ومحلية. يبدو أن الاهتمام العالمي بهذا الصراع يتآكل تدريجيًا، مما يترك السكان في مواجهة الجوع والمرض والموت.
في ظل هذه الأوضاع، تصبح الفاشر رمزًا للمدن التي تُركت لمصيرها في “الحروب المنسية”، حيث يتم التنافس على السيطرة على الأرض أكثر أهمية من حماية حياة الإنسان.