تحولات جذرية تعصف بقيادات الجماعات المسلحة في ليبيا
بعد هيمنة طويلة وقوة بارزة، بات قادة الجماعات المسلحة في ليبيا في مواجهة تغير جذري في وضعهم، إذ يجدون أنفسهم محاصرين بين خطر عمليات الاغتيال والضغوط القانونية المحلية والدولية. وقد أعادت محاولة اغتيال معمر الضاوي، قائد «الكتيبة 55 مشاة»، الفكرة إلى السطح حول هذا الواقع المتغير الذي يحيط بهؤلاء القادة.
تفكك التحالفات وتأثيره على موازين القوى
يشير محللون سياسيون وخبراء حقوقيون إلى أن هذا التغيير ناتج عن عدة عوامل، أبرزها تصاعد نشاط المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت بحق بعضهم مذكرات اعتقال. علاوة على ذلك، شهدت العلاقة بين حكومة «الوحدة الوطنية» تحت قيادة عبد الحميد الدبيبة وهؤلاء القادة تحولًا من تحالف قائم على المصالح إلى نزاع مفتوح، خاصةً في غرب البلاد.
ويبرز علي التكبالي، عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب الليبي، أن التحالف الذي نشأ بين القادة والمجموعة المسلحة وحكومة «الوحدة» في عام 2021 منحهم مظلة من الحماية. فقد تم “شرعنة” وجودهم من خلال ربط بعضهم بمؤسسات الدولة، مما وفر لهم غطاءً ضد أي ملاحقات قانونية على الرغم من تورطهم في جرائم جسيمة مثل القتل والتعذيب وتهريب البشر والوقود.
لكن، بحسب التكبالي، بدأ هذا التحالف بالانهيار بداية هذا العام نتيجة سعي بعض القادة للسيطرة على مؤسسات الدولة ورغبة الدبيبة بأن يكون الممثل الوحيد للسلطة خلال أي مفاوضات مستقبلية. وهذا يفسر التناقض في التصريحات التي أدلى بها الدبيبة، حيث وصفهم سابقاً بـ«أبناء الشعب»، ليتحول لاحقًا إلى التحذير من تحولهم إلى «دولة داخل الدولة» تقوم بابتزاز مؤسساتها.
الضغوط الدولية ومحاولات التصفية الداخلية
لا يقتصر الضغط على قادة الجماعات المسلحة على النزاعات الداخلية فحسب، بل تفاقم بسبب الملاحقات القانونية الدولية. فقد أُدخلت طرابلس في حالة من “الهدنة الهشة” بعد مقتل عبد الغني الككلي، المعروف باسم «غنيوة»، رئيس «جهاز دعم الاستقرار»، بين القوات الموالية لحكومة «الوحدة» وعناصر «جهاز الردع»، أحد أبرز الجماعات المسلحة.
من وجهة نظر التكبالي، هذه النزاعات أدت إلى زيادة الضغوط المحلية والدولية على القادة، خاصةً مع استخدام الدبيبة لمذكرات الاعتقال الدولية كوسيلة ضغط. ففي يناير الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق أسامة نجيم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بالإضافة إلى اعتقال السلطات الألمانية لخالد الهيشري، أحد قادة نفس الجهاز، بناءً على مذكرة من المحكمة ذاتها.
ويشير محمد البرغثي، وزير الدفاع الليبي السابق، إلى أن تصفية الككلي والنزاع بين الدبيبة و«جهاز الردع»، جنبا إلى جنب مع مذكرات الاعتقال الدولية، قد ساهمت في تقويض النفوذ الذي كان يحيط بهؤلاء القادة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التوترات إلى مزيد من محاولات الاغتيال التي قد تستهدف قادة المستوى الثاني، إما بدافع الانتقام أو الطموح للوصول إلى الثروات والنفوذ.
مستقبل غامض مفعم بالخوف والملاحقات
يعتقد حسام القماطي، ناشط سياسي، أن مذكرات القبض الدولية تمثل المحور الرئيسي الذي أربك وضع “أمراء الحرب”، ملاحظًا أن حلقات العنف بينهم ليست جديدة. ولكن، يشكك القماطي في جدية الدبيبة في “مكافحة الميليشيات” بصورة شاملة، حيث يعتبر أنه يستهدف خصومه فقط بينما يترك آخرين يحتفظون بنفوذهم.
ويشير الناشط الحقوقي طارق لملوم إلى أن قادة الميليشيات، وخاصةً أولئك الذين يعتبرون خصومًا للدبيبة، يواجهون “مرحلة حاسمة”. فلم يعد خوفهم مقتصرًا على السفر خارج البلاد، بل أصبحت تحركاتهم داخل مناطق نفوذهم مقيدة، خوفًا من التعرض للاغتيال أو الاعتقال ثم تسليمهم للجهات الدولية.
ولا يستبعد لملوم أن يستغل الدبيبة التوترات بين هذه الجماعات المسلحة لإشعال صراعات جديدة، مما سيؤدي إلى إضعافها تدريجيًا ويسمح لأجهزته الأمنية بزيادة السيطرة، ويقلل من تأثيرها في أي تسوية سياسية مستقبلية.