مصير الإخوان في سوريا: تحليل إرث الماضي وتأثيرات الجغرافيا الجديدة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

التحديات الجديدة في سوريا: أكثر من مجرد صراع وثقافة جديدة

في خضم التحولات التاريخية، لا يمكن اعتبار جماعة الإخوان المسلمين مجرد حركة عابرة، بل تشمل رؤيتها منذ تأسيسها أفكارًا تتجاوز الزمان والمكان، مما يجعلها مشروعًا فكريًا ودينيًا يهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع بناءً على مبادئها. وقد أظهر التاريخ أن هذا المشروع وُجد في حالة صراع مستمر مع الدولة الحديثة، بدءًا من نشأته في مصر، وانتشار تأثيره في مختلف الأقطار العربية والإسلامية. وقد اتخذ الصراع أشكالًا متنوعة، من التحدي للأنظمة الملكية إلى النزاعات مع الحكومات الجمهورية العسكرية، وصولًا إلى التغييرات الاجتماعية الجذرية.

هل يمكن الإخوان الاندماج في سوريا الجديدة؟

تواجه جماعة الإخوان المسلمين في سوريا اليوم لحظة فارقة لا تقل تعقيدًا عن تجربتها التاريخية في بلدها الأم. فمع انهيار نظام الأسد، يظهر أمام السوريين سؤال رئيسي يتجاوز مجرّد توزيع السلطة: ما هي فرص جماعة ذات مرجعيات عقائدية في دولة تتعافى من صراع طويل وتطمح لبناء مؤسسات مدنية وديمقراطية جديدة؟

تصريحات أحمد موفق زيدان: انطلاقة جديدة

وفي حدث مثير، أعرب المستشار الإعلامي للرئيس الانتقالي، أحمد موفق زيدان، الذي ينحدر من خلفية إخوانية، عن دعوته الواضحة لحلّ الجماعة. لم يكن تصريح زيدان مجرد رأي شخصي، بل يمكن اعتباره بمثابة إعلان غير مباشر عن انتهاء العصر الذي شهد سيطرة التنظيمات العقائدية المغلقة، وضرورة تطور الدولة السورية الجديدة التي لا تحتمل بروز كيانات تعيش بعيدة عن واقعها السياسي والاجتماعي المتغير.

البعد الجيوسياسي: المؤثرات الإقليمية والدولية

من النواحي الجيوسياسية، تشهد سوريا ما بعد الأسد تحركات متشابكة تتداخل فيها مصالح القوى الإقليمية والدولية، حيث تزداد حذر تلك الأطراف من التنظيمات الإسلامية التقليدية، خاصة تلك المرتبطة بالإخوان. تعد التجربة الأردنية مثالًا واضحًا على ذلك، حيث فقد حزب يستند إلى فكر الإخوان الكثير من قدراته بعد سلسلة من القيود والتغيرات، وأصبح واقعًا خارج الهياكل السياسية العامة للدولة. وفي مصر، مصدر الفكرة، شهدنا انهيارًا مدويًا أعاد الجماعة إلى حالة من “النفوذ الفكري” حتى داخل وطنهم.

خيارات مستقبلية للجماعة

ما الذي ينتظر جماعة الإخوان في سوريا الجديدة؟ إذا أصرّت على المحافظة على بنيتها التقليدية، فمن المرجح أن تُهمش وتصبح بعيدة عن الشعب الذي فقد الكثير في سعيه للحرية والكرامة، وليس لاستبدال نظام قمعي بآخر مؤدلج. لكن إذا تعاطت مع الواقع الجديد، واتجهت نحو التحول إلى قوة مدنية وسياسية مترابطة، فقد تتيح لها فرصة لإعادة تحديد موقعها في المشهد الجديد، وإن كان ذلك يحتاج لبعض الوقت.

فلسفة ما وراء السياسة

لكن العمق الفلسفي للقضية يتجاوز الاستراتيجيات السياسية المتبعة. نحن أمام تساؤل يتناول علاقة الفكر الديني بتحولات الزمن: هل باستطاعة جماعة نشأت في القرن العشرين، وسط ظروف استعمارية وثقافية متعددة، أن تواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين في زمن ما بعد الدول القومية والعولمة الرقمية؟ أم ستبقى عالقة في أسلوبها التقليدي، مثل مخلوق أسطوري يرفض التكيف مع واقعه، مما يؤدي به إلى الانقراض مفترضًا؟

توزيع الجغرافيا السورية: تنوع لا يحتمل الحصرية

تاريخ الجغرافيا السورية، بما يحمله من تنوع طائفي وعرقي وسياسي، لا يُحتمل فيه أي شكل من أشكال الإقصاء أو احتكار الهوية. لذا، فإن بقاء الإخوان بصيغتهم المعتادة يعني، ببساطة، السير نحو العزلة. على العكس من ذلك، الاندماج في السياق الوطني الشامل يمكن أن يمنحهم الفرصة للبقاء حاضرين في الذاكرة الجماعية لسوريا المقبلة، ليس كتنظيم عقائدي، بل كجزء من فسيفساء سياسية متنوعة.

الختام: بين المصير والانخراط

ختامًا، يبدو أن مستقبل جماعة الإخوان في سوريا قد يسير على نفس درب الكائنات التي لم تتمكن من التأقلم مع التغيرات البيئية عبر العصور. تمامًا كما انقرضت الديناصورات لعدم قدرتها على مواجهة التغيرات من حولها، فإن الجماعة قد تواجه مصيرًا مشابهًا إذا أصرت على البقاء في أسر الماضي. إن التكيف مع اللحظة الجديدة والانخراط في مشروع مدني شامل يمكن أن ينقذها من مصير معين في طيّات التاريخ. “من لا يتكيف مع التحولات الزمنية والجغرافية، يبقى عالقًا في ماضيه حتى يصبح ذكرى تُنسى.”

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

‫0 تعليق

اترك تعليقاً