لماذا تُثار الأزمات حول مصر وتأثيرها على المنطقة؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

مصر: تاريخ عريق ومجابهة مستمرة

محمد سعد عبد اللطيف هو مؤلف وباحث مختص في مجال الجيوسياسية.

من يتسبب في إشعال النيران، عليه أن يتحمل مسؤولية إطفائها. هذه ليست مجرد حكمة عابرة، بل هي قاعدة أساسية تتعلق بالحياة والسياسة والتاريخ. من يفتتح فصول المأساة ينبغي أن يتحمل عواقبها، ومن يفتح الأبواب للعواصف لا يمكنه أن ينأى بنفسه عندما تهب الرياح.

مؤامرات وتحديات

لكن ما نشهده اليوم هو وضع معكوس: هناك قوى خارجية تتعمد إشعال الحرائق، ثم تُلقي اللوم على مصر، كما لو كانت الوحيدة المسئولة عن الدخان المتصاعد من أماكن ليست ملكًا لها. تُدار هذه الحملة بذكاء، حيث يتم استخدام اسم مصر في خطط مشبوهة: تارة يتهمونها بأنها تسعى لتصفية القضية الفلسطينية، وأخرى يتحدثون عن تهجير الشعب إلى الصحراء، وأحيانًا يربطونها بمشاريع لم ينشئها إلا أولئك الذين يسعون لإشعال المنطقة برمتها حتى تصل إلى نقطة الانفجار.

مصر ليست شماعة للأزمات

أحبائي، إن مصر ليست مجرد بريد لتصفية الحسابات، ولا ساحة لاستقبال نيران الآخرين. تلك الدولة التي وقفت أمام كل الغزاة عبر العصور ليست ساحة للمخاطر الفاشلة. من يشعل الحرب في غزة، ومن يخلق الفوضى في الإقليم، ومن يفتح الأبواب للطائفية والعصبيات… هؤلاء هم من يتحملون وزر تلك النيران، وعليهم إطفاء ما أشعلوه، لا أن يتهموا القاهرة بالتقصير.

التحديات الحالية

النيران تحيط بنا من كل الاتجاهات: في فلسطين، السودان، ليبيا، سوريا، واليمن. لكن بالرغم من كل هذه الأوجاع، تبقى مصر صامدة. قد تتعرض للنيران أحيانًا، لكنها لا تنكسر، لأنها ببساطة ليست مجرد دولة عابرة.

مصر: تاريخ ممتد

مصر، مهبط الأنبياء، هي كائن حي للأزمان، وُجدت قبل التاريخ، تمرض لكنها لا تفنى. شهدت الكثير من الغزوات: من الإسكندر الأكبر إلى الرومان، ومن الفرس واليونانيين إلى البطالمة، ومن الهكسوس إلى التتار والمغول، ثم الصليبيين والفرنسيين تحت قيادة نابليون، وأخيرًا الإنجليز والعثمانيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك… كلهم مروا من هنا، إما ذابوا أو هربوا، لكن مصر ظلت قائمة. أيها المؤرخ، ماذا تعلمنا من هذا؟

رمزية مصر عبر القرون

مصر، التي استقبلت إبراهيم الخليل، وباركت يعقوب ويوسف، واحتضنت موسى على ضفاف النيل، هي ذاتها التي كانت مريم العذراء وزوجة الرسول الكريم، ومن خلالها جاء أبو العرب إسماعيل. مصر النيل الخالد، والأهم من ذلك، تاريخه وحضارته، تضم بين جنباتها جميع الثقافات والأديان، وهي الجسر الذي يربط بين الشرق والغرب.

حماية الهوية العربية

هل كانت نكسة يونيو 1967 دليلاً على أن مصر لم تكن تحارب من أجل ذاتها فقط بل من أجل أشقائها؟ ألم يكن دخولها في الحرب دفاعًا عن سوريا، وانتصارًا لكرامة الأمة بأسرها؟ مصر التي تحملت مسؤوليات الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وجربت الرأسمالية، ورعت راية التحرر الوطني، تُسأل اليوم: هل تدنت بنا الأرض حتى تسمح لبعض الأقزام بالتمادي علينا؟

إشعال الفتنة والعدالة

إن الزج بمصر في هذه المؤامرات لا يعدو كونه محاولة فاشلة لإشعال فتنة جديدة. وكما يعلمنا التاريخ، تبدأ الفتنة بكلمة، بمقال، أو بتغريدة، لتتحول سريعاً إلى ألسنة لهب تأكل الأخضر واليابس. لذلك، من يسعى لإشعالها يجب عليه تحمل عواقبها، ولن نسمح لأنفسنا بأن نكون وقودًا لها.

مصر وصوت الحق في الشرق الأوسط

إن مصر ليست جزءًا من عملية تصفية القضية الفلسطينية، بل هي الجسر الأخير الذي يحافظ على التوازن في هذا الشرق الممزق. وليفهم من يريد العبث بالنار أن شعوب هذه المنطقة قد تكون صبورة، لكنها ليست عمياء.

دعوة للتفكير

فما السبب وراء إشعال النيران إذًا؟ هل هو لتقايضوا على الرماد؟ أم لتبرير فشلكم في السيطرة على حرائقكم الداخلية؟ القاعدة واضحة: من يشعل النار يجب أن يعمل على إطفائها، ومن يبدأ فتنة عليه أن يقضي عليها بيديه، أما مصر، فستظل قائمة، لا تحترق ولا تموت!

‫0 تعليق

اترك تعليقاً