إصدار عملة جديدة في سوريا: خطوة نحو التغيير أم إجراء شكلي؟
يترقب الشعب السوري الإعلان عن إصدار عملة ورقية جديدة، في ظل حملة إعلامية من قبل مصرف سوريا المركزي تسلط الضوء على تفاصيل هذا القرار. ستأتي العملة الجديدة خالية من صور الرئيس السابق بشار الأسد ووالده حافظ، مع خطة شاملة لحذف صفرين من قيمة العملة. وقد أكّد حاكم المصرف المركزي، عبد القادر حصرية، أن هذه الخطوة تعتبر “إجراء فني وتنظيمي” يهدف إلى تعزيز إدارة التداول النقدي وتيسير عمليات الدفع.
ردود فعل المواطنين: مخاوف وآمال
أثار الخبر قلق المواطنين بشأن احتمالية ارتفاع الأسعار أو حدوث ارتباك في نظام التداول، على الرغم من شعور البعض بالارتياح بسبب إزالة صور “الأسدين”، التي ارتبطت بشكل وثيق بانهيار قيمة الليرة السورية. عبرت سيدة في الستينيات من عمرها في دمشق عن أملها في التخلص من “لعنة” طباعة صورة بشار الأسد على العملة، مشيرة إلى أن مليون ليرة، التي كانت تمتلك قيمة شرائية ضخمة قبل عقدين، لم تعد تكفي لمواجهة نفقات أسبوع واحد.
التدهور الاقتصادي وأسباب التغيير
تأتي هذه المبادرة بعد سنوات طويلة من التدهور الاقتصادي الحاد الذي عاشته البلاد، حيث فقدت الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها. بينما كان سعر صرف الدولار الأمريكي 50 ليرة في عام 2011، وصل إلى أكثر من 15 ألف ليرة في عام 2024، حتى استقر مؤخرًا عند حوالي 10 آلاف ليرة للدولار بعد سقوط النظام في ديسمبر الماضي.
آراء متنوعة حول الجدوى
تتباين الآراء بين المواطنين حول جدوى هذه الخطوة. فمنال خضر، موظفة حكومية، أعربت عن شكوكها بشأن أولوية هذا القرار في ظل الظروف الحالية، بينما اعتبر المهندس مازن الحاج أن تغيير العملة وحذف الأصفار يُعد “ضرورة ملحة” لتيسير التعاملات المالية الكبيرة، التي أصبحت مرهقة بسبب كبر حجم المبالغ.
الدوافع الاقتصادية وراء القرار
تشير التقارير الاقتصادية إلى أن أحد المبادئ الدافعة لهذا القرار هو السيطرة على حوالي 40 تريليون ليرة سورية يُعتقد أنها خارج النظام المالي الرسمي، حيث يُخشى أن تستخدمها بعض العناصر المرتبطة بالنظام السابق للتلاعب بسعر الصرف.
تحليل إخباري: تحولات رمزية واقتصادية
إن إصدار عملة جديدة لا يمثل مجرد تغيير في الأوراق النقدية، بل يُعبر عن تحول رمزي واقتصادي كبير. فعملية إزالة صور بشار الأسد ووالده من العملة تعتبر خطوة مهمة تعكس مسار ما بعد النظام، حيث كانت هذه الصور تجسد الانهيار الاقتصادي الطويل الذي عانت منه البلاد. ولهذا التغيير الرمزي تأثير نفسي إيجابي لدى المواطنين، الذين ربطوا قيمة الليرة المنخفضة بصورة النظام الحاكم.
الإصلاحات المطلوبة لتعزيز الاقتصاد
من الناحية الاقتصادية، تتعدد المحفزات والدوافع لهذا القرار، لكن السيطرة على الكتلة النقدية تبقى في المقدمة. إن وجود تريليونات من الليرات خارج النظام المالي يمثل تحديًا هائلًا لأي حكومة تسعى إلى إدارة السياسة النقدية. إذ يمكن لتلك الأموال، والتي يُعتقد أن جزءًا كبيرًا منها في أيدي شخصيات مرتبطة بالنظام السابق، أن تُستخدم للتلاعب بأسعار الصرف وإحداث فوضى اقتصادية. إصدار عملة جديدة يُجبر الجميع على إعادة الأوراق النقدية القديمة إلى المصرف المركزي للتبديل، مما يمنح الحكومة فرصة أفضل للتحكم في حجم النقد المتداول، وقد يُحد من الأموال غير الرسمية.
المخاوف والتحديات المستقبلية
ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف مشروعة بشأن نتائج هذا الإجراء. فقد لا يؤدي حذف الأصفار إلى تحسين القوة الشرائية للعملة ما لم يكن مدعومًا بأسس اقتصادية قوية. إذ أن التضخم الذي عانت منه الليرة لا يعزى لعدد الأصفار، بل ينجم عن انهيار الإنتاج، وتدمير البنية التحتية، والعقوبات الدولية، وسوء الإدارة الاقتصادية على مدار سنوات. بالتالي، إذا لم تُتخذ خطوات فعلية لإنعاش الاقتصاد، مثل جذب الاستثمارات وإعادة بناء القطاعات الإنتاجية، فقد يتحول هذا التغيير إلى مجرد “تجميل” لا يحل المشكلات الرئيسية.
خلاصة: نحو مستقبل اقتصادي أفضل
بشكل عام، يبدو أن القرار يمثل مزيجًا من الضرورة العملية والدوافع السياسية. فهو يهدف إلى تسهيل المعاملات المالية واستعادة السيطرة على النقد، وفي الوقت نفسه يعكس رمزية جديدة تمحو آثار النظام السابق. لكن يبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذا الإجراء الفني إلى بداية حقيقية للانتعاش الاقتصادي المنشود، بحيث لا يكون مجرد تغيير في شكل الأوراق فحسب، بل مسعى حقيقي لتحسين جودة حياة المواطن السوري.