جوائز نوبل: من رموز السلام إلى أدوات التسييس
لم تعد الجوائز العالمية، وعلى رأسها جائزة نوبل للسلام، محصَّنة من التأثيرات السياسية، بل أصبحت أداة لتلميع صورة بعض الزعماء. منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، حصل الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن على الجائزة بشكل مشترك. تكررت هذه الظاهرة مع اتفاقيات أوسلو، وأصبح كل تقدم في مسار التطبيع مع إسرائيل يُحتفى به على أنه إنجاز إنساني، حتى أن جائزة نوبل باتت في بعض الأوقات تُعتبر مكافأة أكثر من كونها دليلاً على نجاح حقيقي.
دونالد ترامب: نموذج للانغماس في الجوائز
في هذا الإطار، يظهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كأحد أبرز الأمثلة على الفخر بالجوائز. لم يتردد ترامب يوماً في التعبير عن رغبته في الحصول على تكريم دولي، بل ذهب إلى حد المطالبة بجائزة نوبل للسلام بسبب ما اعتبره “إنجازات تاريخية” في التعامل مع كوريا الشمالية والشرق الأوسط. واعتبر أنصاره أن “صفقة القرن” يجب أن تُخلَّد بجائزة عالمية.
المفارقة في تقييم السياسات
رغم أن ما قدمه ترامب من دعم لإسرائيل يتجاوز ما قدمه أي رئيس أمريكي سابق في مجالات كاعترافه بالقدس كعاصمة، ونقل السفارة، وتشريع الاستيطان، بالإضافة إلى الضغط لتطبيع العلاقة مع عدد من الدول العربية، إلا أن ذلك لم يكن في صالح السلام بقدر ما كان لصالح طرف واحد. ومع ذلك، لا يستبعد المراقبون إمكانية استخدام الجوائز مجدداً لتكريم تلك السياسات، تمامًا كما حدث مع شخصيات سابقة.
الجوائز في مشهد سياسي معاصر
وفي مطلع هذا الأسبوع، سلطت بعض الصحف الأمريكية، مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، الضوء على هذا التناقض، مشيرةً إلى ولع ترامب بالجوائز حتى لو لم تتوافر فيها معايير الاستحقاق. أصبح المشهد السياسي أشبه بمسرح تلفزيوني، حيث تُبنى القرارات على الانطباعات والصور أكثر من المحتوى، وتدير الدولة كما لو كانت برنامجا واقعيا يسعى إلى تحقيق أعلى نسب مشاهدات بدلاً من خدمة المصلحة العامة.
أسئلة مفتاحية حول قيمة جائزة نوبل
ويبقى التساؤل الأساسي: هل تبقى قيمة جائزة نوبل إذا أصبحت مكافأة للصفقات السياسية على حساب الشعوب؟ كيف يمكن لجائزة تُمنح لمن شرعن الاحتلال أن تُعتبر رمزًا للسلام؟ هذه مفارقة مؤلمة، حيث تُوزع الأوسمة في مسرح دولي ملوث بينما تُعاني شعوب تحت القصف، مثل ما يحدث في غزة، حيث يُدفن الأطفال والنساء تحت الأنقاض بلا تكريم سوى دمائهم. فما معنى السلام إذا كان يُحتفى به في قاعات فاخرة بينما يُداس في الشوارع والبيوت المهدمة؟
محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.
اقرأ أيضاً مقال «الأسبوع» يزلزل الاحتلال.. مرصد إسرائيلي يتهم الدكتور محمد عمارة بالتحريض ضد إسرائيل.
ليس فقط مقال، بل فضفضة عامة وبحث عن شغف الحياة المفقود في قلوبنا.