«رشاش كوني» غير معتاد.. فلكي عربي يكشف أسرار الاكتشاف المثير (خاص)

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



تخيل أنك في يوم صيفي، وأمامك رشاش مياه دوار يطلق دفعات ماء أثناء دورانه، في بعض اللحظات، يتجه التيار مباشرة نحوك، فتشعر بضربة من الماء.

  • اصطدام ثقبين أسودين يخلق وحشا كونيا أكبر من الشمس

هكذا تماما، يمكن تشبيه نوعا غريبا من المجرات يُعرف باسم “البلازار”، وهي مجرات تحتوي على ثقوب سوداء عملاقة تطلق نفاثات من الجسيمات والطاقة بسرعة تقترب من سرعة الضوء، وعندما تصادف هذه النفاثات اتجاه الأرض، نرصدها كما لو أن “رشاشا كونيا” يصوب تياراته نحونا.

البلازار المعروف باسم

ومن بين هذه الأجسام الكونية العنيفة، يبرز البلازار المعروف باسم “S5 0716+714″، وهو أحد أكثر البلازارات تقلبا في السماء، وقد خضع هذا “الرشاش الكوني” مؤخرا لدراسة فريدة قادها فريق من علماء الفلك من مصر وبلغاريا، من بينهم الباحث المصري د. إسلام الحسيني، باستخدام تلسكوبات مصرية وبلغارية لرصد تغيرات هذا الجسم في النطاق المرئي الى جانب ضم أطوال موجية أخرى للدراسة عبر الاستعانة بأرشيفات فلكية أخرى.

النتائج، التي نُشرت في مجلة “الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية (MNRAS)”، كشفت عن مفاجأة، وهي أن “هذا الرشاش الكوني العنيف بدأ يهدأ، وظهرت فيه ذبذبة دورية غريبة، قد تكون مفتاحا لفهم جديد لسلوك النفاثات الخارجة من الثقوب السوداء”.

في هذا الحوار، يشرح لنا د. إسلام الحسيني أسرار هذا الجسم الغامض، وما الذي يجعل سلوكه مختلفا عن غيره، وكيف ساهمت مصر بدور محوري في هذا الكشف العلمي المهم.

بداية، ما هو البلازار؟ ولماذا يُشبهه بعض العلماء بـ”الرشاش الكوني”؟

البلازار هو نوع خاص من نوى المجرات النشطة، تحتوي على ثقب أسود فائق الكتلة يطلق نفاثات من البلازما بسرعة تقارب سرعة الضوء وقرص ضخم حوله تتراكم عليه المادة التي يتغزى عليها هذا الثقب.

وعندما تصادف هذه النفاثات اتجاه الأرض، نراها كمصادر متغيرة للغاية في السماء، ويشبهها البعض بـ”الرشاش” لأن هذه النفاثات تشبه تيار ماء دوار يضربنا بشكل مباشر، فنرصد تغيراته الحادة، وهذه التغيرات يمكن رؤيتها في جميع الاطوال الموجية من أشعة غاما وحتى الراديو، ما يجعلها أهدافا مثالية للدراسة متعددة الأطوال الموجية.

البلازار المعروف باسم

ما الذي يميز البلازار S5 0716+714 عن غيره؟

هذا البلازار اكتُشف عام 1981، ويعد واحدا من أكثر الأجسام تقلبا في السماء. يتميز بطيف بصري شبه خالٍ من الخطوط، ما يصعب تحديد بعده عن الأرض.

كما أنه يُظهر تغيرات سريعة في إشعاعه تتراوح من دقائق الى سنوات وكذلك ذبذبات دورية بين النشاط والهدوء، ما يجعله بمثابة “مختبر طبيعي” لدراسة سلوك النفاثات الفلكية الصادرة عن الثقوب السوداء.

ثقب في درع البلازار

ما الذي كشفت عنه دراستكم الجديدة؟

لاحظنا تراجع شديد في النشاط العام للبلازار، مقارنة بالفترات السابقة. نسبة التغير في إشعاع الضوء المرئي انخفضت من 100% في الدراسات السابقة إلى نحو 10% في الدراسة الحالية. كما اكتشفنا نشاط دوري مدته 43.5 يوما، نعتقد أنها ناتجة عن حركة لولبية لفقاعتين من المادة داخل النفاثات وهي النظرية الأكثر اتساقا مع هذا السلوك،كأن هناك “دوامة صغيرة” تدور داخل التيار الرئيسي، وهذه الظاهرة تعكس ديناميكيات دقيقة داخل النفاثات الكونية لم تكن مفهومة بهذه الصورة من قبل.

هل لهذه النتائج تداعيات أعمق لفهم سلوك الثقوب السوداء؟

بالتأكيد، رصد دخول هذا الجسم المعروف بنشاطه الشديد الى مرحلة جديدة من الهدوء الغير معتاد له تداعيات جمة تعمق من فهمنا لهذا النوع من اﻷجسام وكذلك الطرق اﻷمثل لمراقبه، والتي تقودنا بالتأكيد لفهم حركة هذه النفاثات وارتباطها بالذبذبات مما يعمّق تصورنا لكيفية إطلاق الطاقة في محيط الثقوب السوداء، ما يساعد على تطوير نماذج فيزيائية أكثر دقة.

دور رائد لمرصد القطامية

 ما الدور الذي لعبه المرصد المصري في هذه الدراسة؟

مرصد القطامية الفلكي في مصر، بتلسكوبه الذي يبلغ قطره 1.88 متر، كان ركيزة مهمة في الرصد البصري للبلازار، فقد اعتمدت الدراسة على 82 ليلة أرصاد من سماء القطامية وبالتكامل مع الارصاد البلغارية وبيانات الأرشيفات المتاحة في النطاق المرئي وأشعة غاما، حصلنا على نظرة متعددة الأطوال الموجية للجسم المدروس، وهو ما يُعد من أقوى أساليب الرصد الفلكي الحديثة.

إلى أي مدى تفتح هذه الدراسة آفاقًا جديدة في علم الفلك؟

هذه الدراسة تُعد خطوة متقدمة لفهم أعمق للكون العنيف. البلازارات من أكثر المصادر الكونية تطرفا، وقدرتها على إنتاج طاقة هائلة تجعلها أدوات لفهم البنية الكونية، والثقوب السوداء.

البلازار المعروف باسم

خطوات بحثية قادمة

وماذا بعد؟ هل هناك خطوات بحثية تالية؟

نعم، نخطط الآن لمراقبة أجسام أخرى من نفس النوع،البلازارات، خلال فترات رصد اطول، وربطه ببيانات من تلسكوبات فضائية. نرغب أيضا في استخدام تقنيات تحليل متقدمة للكشف عن أي ذبذبات أخرى أو تأخيرات زمنية بين الأطوال الموجية المختلفة، ما قد يوضح التركيب الداخلي لنفاثات البلازار بشكل أفضل.

أخيرا، ما الرسالة التي تود توجيهها للباحثين العرب الشباب؟

العلم لا يعترف بالحدود، والسماء مفتوحة للجميع. لدينا في منطقتنا إمكانيات يمكن تطويرها، وعقول شابة قادرة على المساهمة عالميا. فقط نحتاج إلى دعم حقيقي وفرص للتعاون الدولي. وما أنجزناه اليوم هو رسالة بأن العلماء العرب يمكن أن يكونوا شركاء حقيقيين في كشف أسرار الكون.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



‫0 تعليق

اترك تعليقاً