حرب الإِخوان.. تزييف النصر وتغبيش الحقيقة!

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



لم تكن كلمات الدبلوماسي الألماني فولكر بيرتس، الممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، مجرد تحليل عابر لمسار الحرب، بل جاءت كصفعةٍ سياسية وأخلاقية مدوّية، تكشف المشهد كما هو، بلا أقنعة ولا مساحيق رمادية.

في حواره الأسبوع الماضي مع مجلة (المجلة)، قطع بيرتس قول كل مزيف، حين نفى بصورة قاطعة أن تكون الحرب السودانية “حربًا بالوكالة”، مؤكدًا أنها صراع داخلي شرس على السلطة، بين قوى تتنازع على احتكار السودان، لا على خلاصه.

بهذه الكلمات، أزاح بيرتس القناع عن الخطاب الكذوب لـ”إخوان السودان”، الذي تبنّاه الجنرال عبد الفتاح البرهان، وذهب ملوّحًا بـ”العدو الخارجي” كشماعة لتبرير الكارثة، متقمّصًا دور الحارس الوطني، بينما هو فاعلٌ أصيل في إشعال الحريق، لا ضحية لنيرانه.

الحقيقة التي لا مِراء فيها أن هذه الحرب قد اندلعت حين أُغلق الباب أمام الإسلاميين الذين أطاحت بهم ثورة ديسمبر المجيدة، فلجأوا كعادتهم إلى فوهة البندقية، عبر نافذة الجيش التي ظلّت دومًا مشرعةً لهم كبيتٍ لم يُنقَّ من العناكب القديمة؛ انتقامًا من الشعب، وحُلمًا باستعادة جمهوريتهم الخفية التي حكموا بها السودان ثلاثين عامًا عجاف.

أما حين أكّد فولكر أن “لا نصر عسكريًّا ممكنًا في هذه الحرب”، فقد نطق بالحقيقة التي ظلّت تردّدها القوى المدنية منذ اليوم الأول، في حين واصل الإعلام الإسلامي/العسكري تضليل الشعب، مغذّيًا أوهام الانتصار القريب، رغم علم قادة الجيش أن ما يخوضونه ليس معركة تُحسم، بل مستنقع دمٍ هم أول من يُغرق فيه.

الجيش، ومن خلفه حلفاؤه الإسلاميون، لا يرغبون في نهاية للحرب، بل في إدامتها، علّها تُعيد إليهم شرعيةً أكلها الزمن وأسقطها الشعب. فكل انسحاب لقوات الدعم السريع يُسوَّق كـ”نصر مؤزّر”، كما حدث بعد انسحابها من العاصمة الخرطوم، حيث انطلقت الهتافات، وامتلأت الميديا بالأكاذيب، وكأنهم قد كسبوا الحرب!

والحقيقة أن النصر الوحيد الذي يحققونه هو إعادة تعريف معنى النصر على قدر مقاس رغباتهم، لا على حقيقة ما يجري على الأرض.

وفي هذا المشهد، الذي تتضخم فيه المأساة من هول الأكاذيب، لم يعد السؤال: من سينتصر؟ بل تحوّل إلى سؤال أشدّ مضاضة: “إلى متى يستطيعون تمديد عمر هذا الخراب دون أن يسقط السقف على رؤوس الجميع؟”

والإجابة لا تسكن في فوهة بندقية، ولا تُستقى من نشرة جماعة انقلابية، بل تكمن في ارتقاء الضمير العالمي إلى مقام مسؤوليته الأخلاقية والتاريخية، وفي وعي شعبٍ أطاح بطغيان الأمس، ولن يعجزه فضح زيف اليوم، مهما تلثّم بخوذة أو التفّ بعباءة دينية.

صدق فولكر بيرتس؛ فهذه ليست حرب وكالة، بل حرب استعادةٍ للإسلام السياسي بزيٍّ عسكري وأدوات دولة. وليست حربًا ستُفضي إلى نصر حاسم، بل هي نزاعٌ سلطوي يكرّر المأساة بصورٍ أشد فجيعة.

والحق بيِّن، ومن يحيد عنه، فقد اختار العمى على البصيرة، والعار على التاريخ.

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة



‫0 تعليق

اترك تعليقاً