تُعد الشارقة، إحدى الإمارات السبع لدولة الإمارات العربية المتحدة، مركزًا ثقافيًا وتاريخيًا بارزًا في المنطقة.
ومن بين كنوزها الأثرية، يبرز موقع “الفاية” كشاهد حي على تاريخ الوجود البشري في البيئات الصحراوية.
مؤخرًا، توّجت الجهود الحثيثة بإدراج هذا الموقع الفريد ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو لعام 2025، ليصبح بذلك إنجازًا تاريخيًا يرسخ مكانة الشارقة ودولة الإمارات على خريطة التراث الإنساني العالمي.
هذا المقال سيسلط الضوء على الأهمية العالمية لموقع الفاية، والدور المحوري الذي لعبه كل من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي في تحقيق هذا الإنجاز الاستثنائي.
يتمتع موقع الفاية بقيمة عالمية استثنائية، فهو يمثل أحد أقدم وأطول السجلات المتواصلة لوجود الإنسان في البيئات الصحراوية، حيث تعود آثاره إلى أكثر من 200 ألف عام.
هذا الموقع الفريد يقدم نموذجًا متكاملًا لما يُعرف بـ”المناظر الصحراوية”، مبرزًا قدرة الإنسان على التكيف والاستيطان في الصحارى القاسية. إن إدراج الفاية في قائمة التراث العالمي يمنحها بعدًا علميًا وإنسانيًا فريدًا، حيث يسجل كأول موقع صحراوي يوثق لحقبة العصر الحجري المسجل في هذه القائمة المرموقة.
هذا الاعتراف يعزز فهمنا لتطور الإنسان ودور شبه الجزيرة العربية كمحطة محورية في تاريخ الهجرات البشرية المبكرة.
لم يكن إدراج “الفاية” في قائمة التراث العالمي لليونسكو ليتحقق لولا الرؤية الثاقبة والدعم اللامحدود من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إذ قاد ملف الترشح بشكل كامل، مؤمنًا بأهمية صون التراث الثقافي للإمارة والعالم.
تجلى هذا الدعم في إصدار الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي قرارًا إداريًا باعتماد حدود موقع الفاية المرشح على لائحة التراث العالمي، مما يؤكد التزامه الراسخ بحماية الإرث الثقافي والتاريخي للمنطقة. إن جهوده لم تقتصر على الدعم الإداري، بل امتدت لتشمل توجيه الأبحاث والدراسات التي أثرت ملف الترشيح، وجعلت من الفاية نموذجًا يحتذى به في الحفاظ على المواقع الأثرية.
كما لعبت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي دورًا محوريًا وحيويًا في تقوية ملف الفاية، بصفتها السفيرة الرسمية لملف الترشيح الدولي “المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية”.
قادت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي جهودًا مكثفة لتعريف المجتمع الدولي بأهمية هذا الموقع الأثري الفريد، مستفيدة من خبرتها الواسعة في الدبلوماسية الثقافية والتأثير المؤسسي، وخاصة من خلال رئاستها للاتحاد الدولي للناشرين.
لقد أسهمت جهودها بشكل فعال في إثراء النشاط الأثري لإمارة الشارقة والحفاظ عليه، وعملت على إبراز قيمة الفاية عالميًا.
وأكدت أن إدراج الفاية في قائمة التراث العالمي هو إنجاز جماعي يعكس التزام الشارقة ودولة الإمارات بصون التراث الإنساني المشترك، مما يرسخ مكانة الإمارة كمركز ثقافي رائد.
ويُعد موقع الفاية الأثري في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، كنزًا تاريخيًا فريدًا يقدم رؤى عميقة حول الوجود البشري المبكر في شبه الجزيرة العربية.
بفضل الاكتشافات الأثرية المتواصلة، أصبح هذا الموقع محط اهتمام عالمي، حيث يروي قصة استيطان الإنسان وتكيفه مع البيئات الصحراوية القاسية على مدى مئات الآلاف من السنين.
وتكمن الأهمية الكبرى لموقع الفاية في الطبقات الأثرية المتتالية التي تم اكتشافها، والتي توثق فترات مختلفة من الوجود البشري. كشفت عمليات التنقيب، التي بدأت في عام 2009، عن أدوات حجرية تعود إلى العصر الحجري القديم، مما يشير إلى استيطان بشري يعود إلى أكثر من 200 ألف عام. هذه الاكتشافات جعلت من الفاية أحد أقدم المواقع التي توثق وجود الإنسان الحديث تشريحيًا خارج أفريقيا.
ومن أبرز المكتشفات في الفاية العالمية:
أدوات العصر الحجري القديم: تم العثور على مجموعات من الأدوات الحجرية التي تعود إلى فترات مختلفة من العصر الحجري القديم، بما في ذلك أدوات ليفالوازية، والتي تدل على تقنيات متقدمة في صناعة الأدوات.
الاستيطان المتكرر: تشير الأدلة إلى أن الفاية لم تكن مجرد ممر للهجرات البشرية، بل كانت وجهة استيطان متكرر خلال الفترات المناخية الملائمة، وذلك بفضل توفر الموارد الطبيعية مثل المياه وحجر الصوان.
طبقات جيولوجية متعددة: أسفرت أعمال التنقيب عن كشف 18 طبقة جيولوجية متتالية، توثق مسيرة تطور الإنسان في المنطقة عبر مراحل من الجفاف والمناخ المتقلب، مما يحول الموقع إلى أرشيف حي لتاريخ البشرية في هذه البيئة.
تؤكد هذه الاكتشافات على أهمية الفاية كموقع محوري لفهم تحركات الإنسان العاقل المبكر، وتكيفه، واستراتيجيات بقائه في بيئات صحراوية قاسية ومتغيرة. كما أنها تسلط الضوء على الدور الجوهري الذي لعبته شبه الجزيرة العربية كجسر للهجرات البشرية من أفريقيا إلى بقية أنحاء العالم.
إن الأهمية التاريخية والأثرية لموقع الفاية تتجاوز الحدود المحلية والإقليمية، لتجعله موقعًا ذا قيمة عالمية استثنائية. فمن خلال ما يقدمه من سجلات أثرية فريدة، يساهم الفاية في إثراء فهمنا لتاريخ البشرية، وتطورها، وقدرتها على التكيف مع مختلف الظروف البيئية.
إن إدراج هذا الموقع ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو يؤكد على مكانته كمعلم تاريخي وأثري لا يقدر بثمن، ويفرض مسؤولية عالمية للحفاظ عليه ودراسته للأجيال القادمة.
تؤكد هذه الأرقام والإحصائيات على الأهمية القصوى لموقع الفاية الأثري، ليس فقط ككنز تاريخي للشارقة والإمارات، بل كجزء لا يتجزأ من التراث الإنساني العالمي.
إن إدراجه ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي هو اعتراف دولي بقيمته الاستثنائية، ويبرز الدور المحوري الذي لعبته هذه المنطقة في مسيرة تطور البشرية، والحفاظ على هذا الموقع ودراسته يمثل مسؤولية جماعية لضمان استمرار رواية قصته للأجيال القادمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة